غزة – تتفاقم الكارثة الإنسانية في قطاع غزة يومًا بعد يوم، مع دخول الحصار الإسرائيلي شهره السابع واستمرار إغلاق المعابر ومنع دخول البضائع والمواد الغذائية والوقود، مما أدى إلى انهيار شبه كامل لمنظومة الأمن الغذائي، وتحول الجوع إلى سلاح حرب ممنهج ضد أكثر من مليوني إنسان محاصر.

وفي تطور خطير، أعلنت منظمة الأغذية العالمية بداية الأسبوع الجاري عن توقف تام لعمل المخابز في كافة أنحاء القطاع بعد نفاد مخزون الطحين والسولار، ما أدى إلى انقطاع الخبز بشكل كامل، وهو ما يشكل تهديدًا وجوديًا للسكان، لا سيما أن غالبية العائلات كانت تعتمد على المخابز كمصدر رئيسي للغذاء في ظل انعدام الكهرباء وغاز الطهي.

جوع يتفاقم وأفق مسدود

فور إعلان توقف المخابز، شهدت الأسواق المحلية موجة هستيرية من البحث عن الطحين، رافقها ارتفاع جنوني في الأسعار، وسط تحذيرات من مجاعات وشيكة قد تصيب الأطفال والمرضى وكبار السن. وتؤكد المنظمات الحقوقية أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم التجويع كأداة ممنهجة لإخضاع السكان، بعد فشله في تحقيق أهدافه العسكرية.

وكان الاحتلال قد بدأ منذ الثاني من آذار/مارس بالتنصل من تفاهمات وقف إطلاق النار وإغلاق المعابر بشكل كامل، ما أدى إلى شلل تام في دخول المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية والطبية، بالتزامن مع تصعيد عسكري دامي استهدف المدنيين والبنية التحتية.

شلل في العمل الإغاثي ومؤشرات مجاعة

مع توقف مئات المخابز، توقفت أيضًا عشرات التكايا الخيرية التي كانت تقدم وجبات الطعام يوميًا لأكثر من مليون شخص. وأكدت منظمات المجتمع المدني أن مخزون المواد التموينية لدى الجمعيات الأهلية قد نفد، ولم تعد قادرة على توفير الحد الأدنى من الدعم.

وقال أمجد الشوا، مدير شبكة المنظمات الأهلية في غزة، إن ما يحدث “ليس فقط تجويعًا جماعيًا بل جريمة إبادة بطيئة”، مشيرًا إلى أن عشرات الجمعيات والمؤسسات الخيرية أغلقت أبوابها، ما حرم آلاف العائلات من مصدرهم الوحيد للغذاء.

سوق خالٍ وأسعار تحلق

في سوق الصحابة وسط غزة، الذي أُنشئ خلال الحرب لبيع المواد التموينية، بدأت رفوف المحلات تفرغ من السلع تدريجيًا، فيما تضاعفت الأسعار بشكل غير مسبوق، وأصبحت المواد الأساسية مثل الطحين والبقوليات والمعلبات نادرة، ما أجبر الكثير من العائلات على الاستغناء عن الوجبات اليومية.

قصص من قلب المعاناة

أيمن مطير، نازح من مخيم جباليا، يصف وضعه الحالي قائلاً: “أشعر أني أقف على حافة الموت. كنا نعتمد على الطعام من التكايا الخيرية، والآن لا يوجد شيء. حتى المعلبات انتهت، وكل يوم نقاتل من أجل لقمة تسد رمق أطفالنا”.

أما أبو إسلام، الذي يقطع مسافة طويلة يوميًا للوصول إلى تكية لا تزال تقدم وجبات بسيطة من العدس والفول، فيقول: “أودّع أطفالي كل صباح، لا أعلم إن كنت سأعود إليهم حيًا، فالقصف لا يتوقف، والطعام شحيح، والمعاناة بلا نهاية”.

تحذيرات دولية متصاعدة

حذرت منظمات إنسانية دولية من أن قطاع غزة على وشك الانزلاق إلى كارثة مجاعة جماعية إذا لم يتم السماح الفوري بإدخال المساعدات الإنسانية. وأكدت منظمة الأغذية العالمية أن استمرار إغلاق المعابر ونفاد مخازن الطحين والمواد الغذائية ينذر بكارثة إنسانية هي الأسوأ منذ عقود.

من جهتها، أدانت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني “حشد” سياسة الاحتلال القائمة على التجويع والتعطيش الممنهج، مؤكدة أن ما يجري هو انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وجريمة ضد الإنسانية تستدعي تحركًا دوليًا عاجلًا.

مؤاخاة: أمل في وجه المجاعة

وفي ظل هذا الانهيار الشامل في مقومات الحياة الأساسية في قطاع غزة، تبرز حملة “مؤاخاة” كإحدى المبادرات الإنسانية المهمة التي تسعى إلى مد يد العون للأسر المتضررة من الحصار والحرب. تهدف الحملة إلى كفالة الأسر المنكوبة وتوفير احتياجاتها الأساسية من الغذاء والماء ومواد النظافة، في وقت لم يعد فيه للغزيين مصدر دعم ثابت.

تدعو الحملة جميع الأحرار وأصحاب الضمائر الحية حول العالم إلى المساهمة العاجلة في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، من خلال كفالة أسر محتاجة باتت مهددة بالجوع والانهيار الكامل. فكل مساهمة، مهما كانت، قد تعني بقاء أسرة على قيد الحياة، وتمنحهم فرصة الصمود في وجه أعتى موجة تجويع تشهدها غزة منذ سنوات.